تنبّه العلّامة ابن خلدون إلى أهمية الاستعمال فجعله حدًّا فاصلًا بين مصطلحين، هما صناعة اللغة العربية وملكة اللغة العربية، فمعنى صناعة العربية أن يمتلك المتعلم قوانين اللغة من إعراب ونحوه، وأن يحفظ كلام العرب، لكن دون تطبيق ذلك في كلامه هو، فهذه لا تسمى عنده ملكة، بل صناعة، وحين يستعمل المتعلم المحفوظ والمفهوم، فهو عندئذ يملك الملكة اللغوية، وقد أجاد ابن خلدون في شرح الفرق بين الصناعة والملكة بالتمثيل بمثال حسي، إذ اعتبر من لا يستعمل اللغة وهو يعرف قوانينها كمن يعرف قوانين الخياطة والنجارة معرفة نظرية فيصف ما ينبغي القيام به في الصناعتين، لكن إذا طُولِبَ بأن يطبق معرفته النظرية عجز.
ولم يتحرّج ابن خلدون في اتهام بعض جهابذة النحاة بقصورهم في التعبير، فقد جعلهم مثالاً مقابلاً لمثال الخياط أو النجار الذي يملك الصناعة ولا يملك الملكة، قال: “وكذلك تجد كثيراً من جهابذة النحاة إذا سُئِل في كتابة سطرين إلى أخيه أخطأ فيها الصواب وأكثر من اللحن”
-كثرة الحفظ وجودة المحفوظ : قال ابن خلدون: «ووجه التعليم لمن يبتغي هذه المَلَكة أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن والحديث، وكلام السلف، ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم، حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم… منزلة من نشأ بينهم» لكن هل الحفظ وحده كافٍ لاكتساب مَلَكَة اللغة العربية؟
-الفهــــــــم: إنّ الحفظ وحده لا يكفي لامتلاك اللغة العربية، بل لا بدّ من أمر مهم وهو الفهم، إذ الفهم هو الذي يمكِّن الحافظَ من استثمار محفوظه؛ إذ لا يمكن أن يتصرّف المتكلم في محفوظه إذا لم يفهمه، يقول ابن خلدون: “ثمّ يتصرّف بعد ذلك في التعبير عمّا في ضميره على حسب عباراتهم، وتأليف كلماتهم، وما وعاه وحفظه من أساليبهم وترتيب ألفاظهم؛ فتحصل له هذه الملكة بالحفظ والاستعمال” فإنّ الفهم أساس بالنسبة لابن خلدون في حصول المَلَكة اللغوية .